الجمعة، 15 مايو 2009

التسامح الحضاري في ثقافة القران

تقنين وسائل الدعوة والتنظيم

التسامح هو أعلى قيمة حضارية يرتقي إليها الإنسان فهو منظومة واسعة من المفاهيم والأدبيات والقوانين التي تحمي خصوصية الإنسان ومعتقداته وحريته الدينية ايا كانت وكل هذا يخضع لمعايير الثقافة الاجتماعية السائدة في مختلف الأزمنة والأمكنة لان الثقافة الاجتماعية حلقات متكاملة ومن الأغلاط الحضارية النظر إليها كلا على حدة او منفصلة عن البيئية والحياة العامة .
فيرسي القران القاعدة الأولى من قواعد التسامح الإنساني في الحضارة الإسلامية المفترضة وهي قاعدة الحوار
وهو نوعان حوارا لدعوة و التنظيم وحوار التعايش والتساكن
فإما( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا )
وإلا( فاشهدوا بانا مسلمون) (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم )( لست عليهم بوكيل) (لست عليهم بمسيطر لست عليهم بجبار ) (لا إكراه في الدين) (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) الخ الايات الكريمات
حوارا لدعوة و التنظيم
وهو الدعوة إلى الدين الإسلامي فالرسول ومن بعده جميع الدعاة بل وعامة المسلمين مكلفون بدعوة الناس الى الدخول في دين الإسلام كافة والمعلوم ان كل صاحب فكرة حضارية او مشروع ديني او سياسي يجتهد في دعوة الناس الى معتقداته وآراءه بالطرق المتعددة غير ان القران يضع المعايير الأخلاقية والحضارية الدقيقة لهذا العمل التنظيمي فيأذن منها باتخاذ السبل السلمية الحضارية المشروعة التي يختزلها في ثلاث صور عملية هي الحكمة، الموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن وكلها أساليب حوارية سلمية لا يجوز إن يتخللها العنف والإكراه وان حدث بعد ذلك خروج عن هذه المفاهيم الدعوية وتبديل وإضافة وسائط جديدة (فإنما إثمه على الذين يبدلونه ) وإنما تعاقب الأمة بأخطاء أسلافها لأنها مازالت مصرة على تلك المعتقدات المحدثة والدخيلة . وتظل بذرة التسامح الحضاري في المصدر الاول للتشريع الاسلامي تتلى اناء الليل واطراف النهار
(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ثلاث وسائل دعوية كلها تنبثق من مفهوم الحوار بكلّ ادابه وقيمه الاخلاقية والحضارية
قال السلمي في حقائق التفسير: سئل بعضهم: لم قدم الله تعالى الحكمة؟ فقال: لأن الحكمة إصابة القول باللسان، وإصابة الفكرة بالجنَان وإصابة الحركة بالأركان وأن تكلم بكلام بحكمة، وأن تفكر بفكر بحكمة.
والحكمة هي ذروة التواضع والزهد ومعرفة قدر الذات فقد سُئل سقراط ذات مرة: لماذا اختاروك أحكم الحكماء في اليونان ؟ أجاب قائلاً:ربما لأنني الرجل الوحيد الذي يعرف أنه لا يعرف شيئاً على الإطلاق.
.وسئل حكيم: ما الحكمة ؟ فقال: أن تميز بين الذي تعرفه والذي تجهله.
والحكمة هي وضع الشيء موضعه, وقيل: أنها فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي..
وقيل : إنها مثالية السلوك والقرار.وقال أرسطو:الحكمة رأس العلوم والأدب تلقيح الأفهام ونتائج الأذهان والحكمة هي ماتطرب لها النفوس وتطمئن لها القلوب وتنجذب لها العقول وتسبح في قسماتها الأذواق السليمة من الحركات والسكنات والأقوال والأفعال و لهذا يؤثران العلاء بن الحَضرميّ قَدم على النبي فقال له‏:‏ هل تَرْوِي من الشعر شيئَاَ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فأنشِدني فأنشِده‏
تَحَببْ ذَوي الأضغان تَسْب نفوسَهم
وإن دَحسوا بالكُرْه فاَعفُ تكرُّمًا
فإن الذي يُؤْذيك منه سماعُه
تَحَببَك القُربَى فقد تُرْقع النَّعَلْ
وإن غَيَّبوا عنك الحديثَ فلا تَسَل
وإن الذي قالوا وراءك لم يُقل

فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان من الشعر لحكمة
ويروى عن السيد المسيح انه قال إن الحكمة نورُ كلّ قلب

وقال الإمام علي ابن ابي طالب : الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق.

وقال فيلسوف اليونان أفلاطون : الحكمة إحدى الفضائل الأربع بالإضافة إلى الشجاعة والاعتدال والعدالة .

وكان يقال إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة.

وقالوا من لم يكن حكيما لم يزل سقيما..
وقال بعضهم الحكمة في هذه الآية هي القران وفي قوله تعالى( ويعلمهم الكتاب والحكمة) أي القران والسنة ولما لايكون كذلك وقد قالت عائشة رضي الله عنها وهي تختزل قلائد السيرة النبوية والشمائل المحمدية وتلخص ترجمة الرسول الأكمل صلى الله عليه واله وسلم في حياته اليومية ( كان خلقه القران) ومن تتبع الصحيح من سيرة النبي وجد كل هذه المعاني تتجلى في حركاته وسكناته ونطقه وصمته (ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة) أي بكل ماقيل ومالم يقل بعد من معاني الحكمة
قال الشاعر
فابدأ بنفسك فإنهها عن غيها * * * فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
2- والموعظة الحسنة :
قال القشيري رحمه الله في لطائف الإشارات :والموعظة الحسنة ما يكون صادراً عن علمٍ وصوابٍ، ولا يكون فيها تعنيف. قال جعفر والموعظة الحسنة أن يرى الخلق في أسر القدرة فيشكر من أجاب ويعذر من أبَى.
وقال سيد قطب في الظلال: وبالموعظة الحسنة التي تدخل إلى القلوب برفق، وتتعمق المشاعر بلطف، لا بالزجر والتأنيب في غير موجب، ولا بفضح الأخطاء التي قد تقع عن جهل أو حسن نية. فإن الرفق في الموعظة كثيراً ما يهدي القلوب الشاردة، ويؤلف القلوب النافرة، ويأتي بخير من الزجر والتأنيب والتوبيخ
وقال الشوكاني في فتح القدير : { وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } هي المقالة المشتملة على الموعظة الحسنة التي يستحسنها السامع، وتكون في نفسها حسنة باعتبار انتفاع السامع بها.
وقال العرباض ابن سارية (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا).
والقران في ذاته موعظة كما قال تعالى( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين)
والموعظة احيانا تاخذ شكل الدعابة والطرفة التي تنعش العقول وتزكي النفوس وتشرح الصدور قال ابن مسعود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام مخافة السام علينا، أو قال : السآمة علينا. فاين هذا من مواعظ اليوم التي تجلب الهم والغم والسآمة والقنوط ؟
وقال المرحوم الشيخ محمد متولي الشعراوي ويقول أهل الخبرة في الدعوة إلى الله: النصح ثقيل فلا تُرْسِله جبلاً، ولا تجعله جدلاً.. والحقائق مُرّة فاستعيروا لها خِفّة البيان
3- وجادلهم بالتي هي أحسن
قال الطبري: (وجادِلْهُمْ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ } : وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها أن تضفح عما نالوا به عرضك من الأذى،
وعن مجاهد، في قول الله { وجادِلْهُمْ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ } أعرض عن أذاهم إياك.

وقال ابن عجيبة في البحر المديد/ { بالتي هي أحسن }؛ بالطرق التي هي أحسن طرق المجادلة؛ من الرفق واللين، وإيثار الوجه الأيسر، والمقدمات التي هي أشهر؛ فإن ذلك أنفع في تليين لهبهم، وتبيين شغبهم،
وقال الطبطبائي( ويتحرز المجادل مما يزيد في تهييج الخصم على الرد والعناد وسوقه إلى المكابرة واللجاج، واستعمال المقدمات الكاذبة وإن تسلّمها الخصم إلا في المناقضة ويحترز سوء التعبير والإِزراء بالخصم وبما يقدّسه من الاعتقاد والسبّ والشتم وأي جهالة أُخرى فإن في ذلك إحياء للحق بإحياء الباطل أي إماتة الحق كما عرفت.والجدال أحوج إلى كمال الحسن من الموعظة ولذلك أجاز سبحانه من الموعظة حسنتها ولم يجز من المجادلة إلا التي هي أحسن.)وقال ايضا: والله تعالى يأمر من الموعظة بالموعظة الحسنة ومن الجدال بأحسنه .

قال الشيخ طاش كبرى زاده في كتابه (علم البحث والمناظرة) في اداب الجدال

ولا يظن خصمه حقــــــــــــــــــــيرا وليلزم التعظيم والتوقـــــــــــــيرا

وقال سيد قطب.وبالجدل بالتي هي أحسن. بلا تحامل على المخالف ولا ترذيل له وتقبيح.وقال الزمحشري في الكشاف : { وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين، من غير فظاظة ولا تعنيف
وقال البيضاوي : وَجَـٰدِلْهُم } وجادل معانديهم. { بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين وإيثار الوجه الأيسر، والمقدمات التي هي أشهر
وقال ابن كثير : { وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب
فأمره تعالى بلين الجانب؛ كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون
وقال الماوردي في النكت والعيون: { وجادلْهُم بالتي هي أحسنُ } فيه أربعة أوجه:
أحدها: يعني بالعفو.الثاني: بأن توقظ القلوب ولا تسفه العقول. الثالث: بأن ترشد الخلف ولا تذم السلف.الرابع: على قدر ما يحتملون.
وقال البقاعي: وجادلهم أي الذين يحتملون ذلك منهم افتلهم عن مذاهبهم الباطلة إلى مذهبك الحق بطريق الحجاج { بالتي هي أحسن } من الطرق بالترفق واللين والوقار والسكينة، ولا تعرض عنهم يأساً منهم، ولا تجازهم بسيىء مقالهم وقبيح فعالهم صفحاً عنهم ورفقاً بهم
وقال اطفيش: { وَجَادِلْهُم بِالَّتِى } أى بالقولة أو بالخصلة أو بالمجادلة أو بالطريقة التى { هِىَ أَحْسَنُ } أفضل طرق الجدال بأَن تكون جامعة للرفق واللين مشتملة على الوجه الأَيسر والمقدمات التي هى أشهر فإِن ذلك هو المؤثر: فى المعاند وذلك كالحجج العقلية
وقال الشيخ الشعراوي: والجدل مناقشة الحجج في قضية من القضايا، وعلى كُلِّ من الطرفين أنْ يعرضَ حُجّته بالتي هي احسن. أي: في رفق ولين ودون تشنُّج أو غَطْرسة
وقال الشيخ علي طنطاوي في الوسيط في تفسير القران الكريم وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بيان لوسيلة ثالثة من وسائل الدعوة السليمة.
أى: وجادل المعاند منهم بالطريقة التي هي أحسن الطرق وأجملها، بأن تكون مجادلتك لهم مبنية على حسن الإِقناع، وعلى الرفق واللين وسعة الصدر
بل ونهى سبحانه وتعالى عن جدال اهل الكتاب خاصة ومن هو في حكمهم عامة نهيا صريحا الا بالتي هي أحسن { وَلاَ تُجَـٰدِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ }
ويقال إن الحارث بن مسكين دخل على المأمون فسأله عن مسألة فقال‏:‏ أقول فيها كما قال مالك بن أنس لأبيك هارون الرشيد - وذكر قوله فلم يعجب المأمون - فقال‏:‏ لقد تيست فيها وتيس مالك‏.‏ قال الحارث بن مسكين‏:‏ فالسامع يا أمير المؤمنين من التيسين أتيس‏.‏ فتغير وجه المأمون‏.‏ وقام الحارث بن مسكين فخرج وتندم على ما كان من قوله‏.‏ فلم يستقر منزله حتى أتاه رسول المأمون فأيقن بالشر ولبس ثياب أكفانه ثم أقبل حتى دخل عليه فقربه المأمون من نفسه ثم أقبل عليه بوجهه فقال له‏:‏ يا هذا إن الله تبارك وتعالى قد أمر من هو خير منك بإلانة القول لمن هو شر مني فقال لنبيه موسى صلى الله عليه وسلم إذ أرسله إلى فرعون‏:‏ ‏"‏
فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى ‏"‏‏.

ومن آداب القران في الجدال قوله تعالى في جدال المشركين {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ} [سبأ:24]. قال الطبري عن قتادة : قال : قال ذلك أصحاب مـحمد للـمشركين، والله ما أنا وأنتـم علـى أمر واحد، إنّ أحد الفريقـين لـمهتد)
وهذا غاية في اللين وتلطيف الاجواء وخلق محاور الوفاق وتقريب وجهات النظر حتى وان استخدم الانسان بعض التورية والتعريض والحذلقة اللغوية
(وإنا أو إياكم ) ليس المقصود الشك ولكن كما قال الطبري ((هذا فـي كلام العرب علـى أنه هو الـمهتدِي، قال: وقد يقول الرجل لعبده: أحدنا ضارب صاحبه، ولا يكون فـيه إشكال علـى السامع أن الـمولـى هو الضارب ))1 وانما اراد القران بهذه البراعة العجيبة ان يقربهم اليه وان يعلم الناس مفهوم الجدال بالتي هي احسن
كما يحكي لنا القران الكريم قصة مؤمن ال فرعون وكيف وضع لقومه افتراضا جدليا مستحيلا بل وظاهره الشك في نبوة نبي الله موسى قال تعالى وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب )) غافر 28 وهذا لا يعني ان هذا الرجل المؤمن يشك في نبوة موسى ولو كان كذلك ما وصفه القران برجل مؤمن يكتم إيمانه وإنما أراد بهذا الافتراض ان يقترب من قومه ويقتحم عليهم تفكيرهم لتحطيمه من الداخل ثم يضع القران قواعد عملية في إرساء مداميك الجدل بالتي هي احسن واخلاقياته وادابه فيبدا من العموميات والمقولات المسلمة فيتخذ من نقاط الاتفاق مدخلا للنقاش المتكافئ أولا ثم يتدرج الى التفاصيل ليغوص في بواطن الفكر وياتي على مواطن الخلاف من اعلاها ليطفاها في قلوبهم جذوة جذوة ويفكك فتائلها عروة عروة واستمع الى قوله تعالى :
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا والمعلوم ان اهل الكتابين يعبدون الله وينكرون الاشراك به اشدالانكار وقول المسيحيين المسيح ابن الله وان كان بهتانا عظيما وكفرا مبينا الا ان هذا الكفر ليس من قبيل الشرك المباشر لان الاسلام اباح نكاح المحصنات من نسائهم فلو كنّ مشركات لما جاز ذلك لقوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ واجمع المسلمون على حرمة نكاح المشركة
فقول المسيحيين المسيح ابن الله والمسيح هو الله والاب والابن والروح القدس تعالى الله ثم يقولون انه اله واحد ويفوضون الكيفية العقلية الى الغيب مع ايمانهم بثلاث صور ذهنية متساوية فهم يقولون كمثل النار ينبثق منها الضؤ والحرارة وهي كلها واحدة والضؤ والحرارة قديمتان قدم النار

اضاءات كتابية
اختلفت الكنائس المسيحية هل الروح القدس منبثق من الاب الواحد البادئ ام من الاب والابن جميعا فترى الكنيسة الشرقية الارثذوكسية ان الروح القدس منبثق من الاب الواحد الينبوع الأزلي في الثالوث القدوس - تعالى الله الواحد الاحد- وترى الكنيسة الكاثوليكية وهو المشهور عند البروتستانتيين 1- ان الروح القدس منبثق من الاب والابن معا ويحتجون بقول السيد المسيح عليه وعلى نبينا السلام (ومتى جاء المعزي الذي سأرسله انا اليكم .} فقالوا طالما انه قال سأرسله إليكم فهو منبثق منه ويصبح قريبا من الشرك ان نزعم أن الأب منفصل عن الابن كما يتخيل العقل البشري فهما أصلا اله واحد يتجلى في هذه الصور
بينما تشنع الكنيسة الشرقية على هؤلاء لأنهم خلطوا مفهوم الانبثاق بالإرسال فالانبثاق حسب الكنيسة الشرقية أزلي قديم والإرسال محدث وتتهمهم ايضا بما يشبه الشرك لانهم جعلوا الابن مصدراً أزليا كالأصل الأبوي الاقنوم الأول في الثالوث القدوس.
وفندوا دليلهم بأنهم اخذوا من العبارة الكتابية مايريدون وتركوا منها ماهو حجة عليهم فالنص الكتابي كاملا هو كالتالي (ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى)(إنجيل يوحنا 15: 26 ) قالوا فقد قال لهم من عند الاب ينبثق ولم يقل مني
قلت : واصل الإشكال هو في كلمة" آب" فهي تعني فى اللغات الآرامية و السريانية القديمة "أصل وباثق وبادئ وينبوع ووالد " ولا تدل على "والد" دلالة أولية ومصطلح (باتريكى أرشى ) (اصل ابوي)مازالت شائعاً في الاصطلاح الكنسي الى اليوم كما يقال فلان ابوالتاريخ وفلان ابو الفلسفة وفلان ابن اليمن وفلان ابن الحجاز ولا يعني بالظرورة والد التاريخ وولد اليمن وعندما ترجم الكتب المقدس الى اللغات الحديثة التي تعني فيها كلمة الاب والد بدرجة أولية ترسبت في الأذهان البشرية مفاهيم سطحية قياسا على الإنسان لان الانسان دائما يقيس الاشياء على عالم الشهادة فوقعوا في التثليث وجوهر الثالوث كما فهم ابن عربي هوالذات والفعل والصفة ويقول المبدا اللاهوتي (كل عطية هى من الآب من خلال الابن بالروح القدس. ) ويقول المبدا الاخر (خلق الآب، العالم بكلمته ،وروحه) فهناك اذن خالق ومخلوق وكلمة وروح وجاء في التوراة سفر التكوين العدد 1 -3 (فى البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور" ففهمت الكنيسة من هذا أن الآب خلق العالم بكلمته وبروحه.
وهذه كانت بذرة التثليث ومازل بعضهم يقول( نقدسك ونعظمك ونثلث لك تقديسا مثلثا كالمكتوب على لسان نبيك أشعيا) فقولهم نثلث لك الخ اضافة الى ماسبق دلالة على اصلية التوحيد
وعندما اصطدمت هذه المحدثات بقاعدة التوحيد الكتابية الأصيلة بدا الجدل في عقيدة الثالوث والانبثاق والتجسد الى ان استقرت كماهي عليه اليوم ان المسيح له طبيعتان ناسوتية ولاهوتية اتحدت دون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير.ويمثلون على ذلك بالنار والحديد فان النار تتحد بالحديد دون ان تتغير طبيعة احدهما والحديد عندهم هو الجسد الناسوتي والنار هي رمز طبيعة اللاهوت - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- وظهرت بعد ذلك نظرية آريوس: تسميها الكنيسة هرطقة فقال أن المسيح إنسان فقط ثم ظهرت نظرية أوطاخي للرد على آريوس فقال إن المسيح لاهوت فقط، وقد حرمت الكنيسة النظريتين واظطهدت القائلين بها في القرون الوسطى .
وقد سالت احد المستشرقين في صنعاء وهو من الضالعين في الدراسات اللاهوتية المسيحية فقلت له :كيف تقولون إن لله ولداً ؟ فقال لي ولد يليق بجلاله بدون تمثيل ولا تعطيل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
اذن فاهل الكتابين يعبدون الله وفي زعمهم أنهم لايشركون به شيئاً ثم قال :
(ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) والمعلوم انهم لا يعبدون بعضهم عبادة مباشرة فقد روى الترمذي في السنن والطبراني في الكبير واللفظ له عن عدي ابن حاتم قال) : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم و في عنقي صليب من ذهب فقال : ( يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك ) فطرحته فانتهيت اليه و هو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية { اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله } حتى فرغ منها فقلت انا لسنا نعبدهم فقال : ( أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه و يحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟ قلت بلى قال : ( فتلك عبادتهم( .2
اذن فالقران يقرر لهم نقاط المفاوضات الحضارية كالتالي
ان لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله فاي عاقل من اهل الكتاب يهوديا كان او مسيحيا سيقول هذه جوهر دعوتنا واصل ديانتنا فيقول لهم عندئذ المفاوض الإسلامي عن القران اتفقنا مبدئيا تعالوا الان نناقش مسالة الاب والابن والروح القدس واللاهوت والناسوت والتجسد والصلب والفداء والقيامة والخلاص والمعاد والجزاء والحلال والحرام وغيرها من الداخل لاننا الان متفقون من حيث المبدأ
لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَابَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
والملاحظ ان القران يحكي التكفير ويطرح دعوة التوحيد عن المسيح فهو ينقل لهم كلامه الموجود عندهم والذي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وذلك ابلغ في المحاججة والإلزام وللعلم فان الآية الأولى( لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَم) تناقش الطائفة الاوطاخية اواليعقوبية التي كانت منتشرة في نجران وشمال الجزيرة العربية وهي تزعم كما سبق ان المسيح لاهوت فقط بينما الاية الثانية( لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ) تناقش هرطقة اخرى تزعم انها ثلاثة الهة منفصلة عن بعضها وتمييز الاب عن الاقنومين الآخرين ثم يقول : { أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) وهذا ايضا محل اتفاق ثم يقرر عليهم عقيدة التوحيد ومفهوم النبوة وهوية المسيح وأمه بعد ان اصبحت اذهانهم قابلة للتلقي وصدورهم اقل غيظا ونفوسهم اكثر انجذابا واقل نفوراً
مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
ويذكر لنا القران نموذجا مثاليا حيا في جدال ابراهيم لابيه لتعميق مفاهيم الجدال بالتي هي احسن
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً
فبعد ان عجز ابراهيم عليه السلام في اقناع ابيه بالايمان والتوحيد لم يتبرأ من ابيه ولم يتبرم ولم يقتله ولم ياخذه بالشدة والتوبيخ ولم يقل له انت مشرك انت قبوري انت رافضي انت ناصبي انت خارجي وكل هذه المصطلحات تنطبق عليه ومن اعظم جرما ممن يرفض دعوة التوحيد وممن من ابي الانبياء ومرجعية الموحدين وينصب العداء لله وانبياءه ويخرج رافعا عقيرته عن فطرة الله التي فطر الناس عليها وانما قال : قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً
نموذج اخر من المثاليات العملية التي سطرها انبياء الله في جبين التاريخ يرويها لنا القران وهي جدلية نبي الله شعيب عليه وعلى نبينا السلام مع قومه : {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ
وعندما عجزعن اقناعهم بالقيم التي دعاهم اليها راح يذكرهم بالله ويتلطف ويضع لهم افتراضا جدليا يطرحه على ارائهم ليقربهم
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ على بينة فيه مايشبه التنازل والتسليم الجدلي للخصم لتقريب وجهات النظر وكسر حواجز الكبرياء وقد فعله النبي صلوات الله عليه في صلح الحديبية مع سهيل بن عمرو عندما قال لعلي ابن ابي طالب كاتب الصحيفة اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما ندري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي اكتب باسمك اللهم ثم قال اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل فوالله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي إني رسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد ابن عبد الله ) ثم قال نبي الله شعيب
وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
قال ابن عجيبة أي: وما أريد أن آتي ما أنهاكم عنه؛ لأَستبد به دونكم، فتتهموني إن أردت الاستبداد به. يقال: خالفني فلان إلى كذا: إذا قصده، وأنت مول عنه، وخالفني عنه: إذا ولى عنه وأنت قاصده
ثم جعل يخوفهم تخويف المحب لهم المشفق عليهم الخائف على بقائهم وكيانهم مذكرا اياهم مصير القرى التي عاندت قبلهم فيقول لهم بكل سكينة ولطف لا يضطركم بغضكم لي ومشاقتي في الراي الى الهلاك
{ وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ }{ وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
قال الشيخ ابو بكر الجزائري : أي لا يحملنكم شقاقي أي خلافي على الاستمرار في الكفر والعصيان فيصيبكم عذاب مثل عذاب قوم نوح وهو الغرق أو قوم هود وهو الريح المدمرة أو قوم صالح وهو الصيحة المرجفة
ثم يذكر لنا القران نموجا اخر من تربية الله لانبياءه وتاديبهم باداب دعوة التوحيد واخلاقياتها فيرسل موسى واخا هارون الى فرعون مصر الطاغية في عصره رمسيس الثاني على الارجح
" اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى "
قال الشيخ الجزائري : قولا لينا أي خالياً من الغلظة والجفا وسوء الإلقاء
وقال الطبرسي : { فقولاً له قولاً ليناً } أي ارفقا به في الدعاء والقول ولا تغلظا له في ذلك عن ابن عباس. وقيل: معناه كنياه عن السدي وعكرمة وكنيته أبو الوليد. وقيل: أبو العباس. وقيل: أبو مرة. وقيل: إن القول اللين هو هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى عن مقاتل. وقيل: هو أن موسى أتاه فقال له: تسلم وتؤمن برب العالمين على أن لك شبابك فلا تهرم وتكون ملكاً لا ينزع الملك منك حتى تموت ولا تنزع منك لذة الطعام والشراب والجماع حتى تموت فإذا متّ دخلت الجنة فأعجبه ذلك وكان لا يقطع أمراً دون هامان وكان غائباً فلما قدم هامان أخبره بالذي دعاه إليه وأنه يريد أن يقبل منه. فقال هامان: قد كنت أرى أن لك عقلاً وأن لك رأياً بيّنا أنت ربٌّ وتريد أن تكون مربوباً وبينا أنت تعبد وتريد أن تعبد فقلَّبه عن رأيه وكان يحيى بن معاذ يقول هذا رفقك بمن يدعي الربوبية فكيف رفقك بمن يدعي العبودية

ومن اداب القران في الجدال بالتي هي احسن انه يخاطب المخالفين والمدعويين والخصوم باحسن اسمائهم واحبها اليهم فالانبياء في القران كلهم ينادي قومه يا قوم ليشعرهم بالقرب والانتماء وابراهيم ينادي عمه يا ابت والقران ينادي اليهود والمسيحيين يا اهل الكتاب وهذا اسم محبب اليهم يعني يا اهل العلم العريق يا اهل الحضارة الاولى رغم انهم حرفوا الكتاب وبدلوه ولم يبتدع القران هذا الاسم بل كانوا يسمون انفسهم كذلك ويسمى المسيحيون اسفارهم المقدسة "الكتاب المقدس" وكذلك اليهود يطلقون على الاسفار الخمسة الرئيسة في التوراة "الكتاب" ولم يخاطبهم القران الكريم يا اهل الجهل ولا يا عباد الصليب ولا يا اهل التثليث ولا يا احفاد القردة والخنازير ويا نقضة العهود والمواثيق كما يحلو للبعض اليوم مع ان كل ذلك ثابت في حق بعضهم ولكنه نادهم يا اهل الكتاب ويا بني اسرائيل والكتاب هو كتاب الله واي شرف هو اكبر من اضافة الكتاب اليهم واسرائيل هو نبي الله يعقوب واي شرف واي فخر خصوصا في ذلك العصر عندما ينادى الرهط منهم يا أولاد الأنبياء وما ذلك إلا ليرسل إلينا إشارة لطيفة في كيفية مناداة الخصوم في الجدال وماذا لو جاء اليوم حاخام يهودي او قسيس مسيحي او باحث من تلك الدول الغربية ونادى المسلمين يا اهل القران لماذا هجرتم القران ؟ يا اهل القران لماذا تختلفون وتقتتلون على هوامش القران وتتركون تعاليمه الجوهرية يا اهل القران لماذا تجمدون على المفاهيم البدائية والصورة الواحدة للقران وهي تتحدث تلقائيا بتحدث الزمان وتتقدم كلما تقدم بين يديها الإنسان كيف سيشعر المسلمون بالثقة والامتنان وستركز على ذلك وسائل الاعلام عندما ادلى الخام اليهودي اليمني يحيى بن يعيش النهاري الذي قتل اخوه في عمران بتصريح صحفي لنيوز يمن في 14/12 2008م وقال فيه :نحن نحيا بحماية المسلمين وعهدة توارثناها جيل بعد جيل، ومن واجب المسلمين تأميننا وحمايتنا وهذا ما كنا نعرفه، أما ما يحدث لنا اليوم وما نتعرض له من انتهاكات صارخة وعلى مرأى ومسمع الجميع فيعني بان شيئا ما قد تغير وما( ولم يعد الدين الدين دينك يا محمد)
تلقينا هذه الكلمات وكان ذلك الحاخام قد مسح عن قلوبنا غبار السنين وأثار في نفوسنا كوامن التوق واشجان الحنين الى تلك الايام الخوالي التي سادت فيها قيم المثالية المحمدية التي أصبحت اليوم في قلوبنا كالرسوم والاطلال ولم يبق منها الاذلك الصدى الذي تصدح به المحافل والمنابر لغة مجردة عن المعاني ضامرة المباني لاصلة لها بما يعتمل في واقع اليوم
فيا دار ما فعلت بك الأيام ضامتك والأيام ليس تضام

وتارة يعدد القران الكريم عليهم مآثرهم الأولى
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
اخرج ابن ابي حاتم والطبراني في التفسير واللفظ له عن قتادة قال : أي رؤساء في الخير سوى الأنبياء وقال الزمخشري في الكشاف : يَهْدُونَ الناس ويدعونهم إلى ما في التوراة من دين الله وشرائعه، لصبرهم وإيقانهم بالآيات
وقال القرطبي : أي قادةً وقُدْوةً وقال البلقي قال ابو عثمان : لما صبروا على حقوق العبادة ولما صبروا مع الله فى جميع الاحوال.
وقال الطبطبائي : أي وجعلنا من بني إسرائيل أئمة يهدون الناس بأمرنا وإنما نصبناهم أئمة هداة للناس حين صبروا في الدين وكانوا قبل ذلك موقنين بآياتنا.
وقال تعالى (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
قال الطباطبائي: وهذا من نصفة القرآن مدح من يستحق المدح، وحمد صالح أعمالهم بعد ما قرَّعهم بما صدر عنهم من السيِّئات فالمراد أنهم ليسوا جميعاً على ما وصفنا من مخالفة الله ورسوله، والتزام الضلال والظلم بل منهم أُمة يهدون الناس بالحق وبالحق يعدلون فيما بينهم
وقال الطبري : أي وبـالـحقّ يعطون ويأخذون، وينصفون من أنفسهم فلا يجورون.واخرج عن السدي : : قوم بـينكم وبـينهم نهر من شهد.
قلت : وقد ذكر بعض المفسرين كابن جرير الطبري رحمه الله وغيره في تفسير هذه الاية اسطورة غريبة مضحكة رووها عن ابن جريج : } قال: بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم، وكفروا، وكانوا اثني عشر سبطاً، تبرأ سبط منهم مما صنعوا، واعتذروا، وسألوا الله عز وجل أن يفرق بينهم وبينهم، ففتح الله لهم نفقاً في الأرض، فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين، فهم هنالك حنفاء مسلمين، يستقبلون قبلتنا، قال ابن جريج: قال ابن عباس: فذلك قوله: { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِى إِسْرَٰءِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلأَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } ووعد الآخرة عيسى بن مريم. قال ابن جريج: قال ابن عباس: ساروا في السرب سنة ونصفاً.
وقد ضعف الرازي رحمه الله هذه الرواية وفندها تفنيدا دقيقا
شهادات رغم التحريف والتبديل
ورغم أن كثيرا من المسلمين انحرفوا عن تعاليم القران الكريم منذ القرن الأول الهجري وأذاقوا البشرية للأسف الشديد ويلات من الغزوات الهبلية والفتوحات الجاهلية وما تخللها من انتهاك للحرمات واغتصاب للنساء واسترقاق للأطفال وكل هذا ضد تعاليم القران الكريم وسيرة النبي العظيم ( اذهبوا فانتم الطلقاء ) ونحن اليوم ندفع ثمن تلك الجرائم الحضارية لاننا مازلنا نتمى عودتها وسنظل ندفع ثمنها باهضا باهضا في كل قطر من أقطار الإسلام ابتدأ من يوم التتار وانتهاء بالعراق وفلسطين وافغانستان وعلينا ان ننتظر المزيد ان لم نبادر بالتوبة والبراءة الى الله من تلك الأدران الهبلية التي مورست باسم الإسلام
رغم تلك الوصمات الفاضحة إلا أن امةً من المسلمين ظلوا مستمسكين بالعهد القويم (يهدون بالحق وبه يعدلون) وجعل الله منهم أئمة يهدون بأمره لما صبروا وكانوا بآياته يوقنون ) فهؤلاء هم من حفظوا جوهر الإسلام في عواصف الأطماع السياسية وشهد لهم أهل الموضوعية والإنصاف من الأمم الحديثة في خضم الاتهامات المسيسة التي تكال للإسلام يقول المستشرق الإنجليزي العلامة توماس آرنولد :
"لما كان المسيحيون يعيشون في مجتمعهم آمنين على حياتهم وممتلكاتهم ناعمين بمثل هذا التسامح الذي منحهم حرية التفكير الديني تمتعوا وخاصة في المدن بحالة من الرفاهية والرخاء في الأيام الأولى من الخلافة"
وقال ايضا .: "لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام غير المسلمين على قبول الإسلام أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي
(الدعوة إلى الإسلام ، توماس آرنولد ، ، ص 99 .)
وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه : " العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها سمح لهم جميعا دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائر دينهم وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى .
(زيغريد : شمس العرب تسطع على الغرب ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي ص 364)


ويقول المستشرق غوستاف لوبون : فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ولا دينا سمحا مثل دينهم فقد كان عرب أسبانيا خلال تسامحهم العظيم يتصفون بالفروسية المثالية فيرحمون الضعفاء ويرفقون بالمغلوبين ويقفون عند شروطهم وما إلى ذلك من الخلال التي اقتبستها الأمم النصرانية بأوربا منهم مؤخرا
(حضارة العرب ، غوستاف لوبون ، ص 720)
(ويقول المستشرق العلامة دوزي : "إن تسامح ومعاملة المسلمين الطيبة لأهل الذمة أدى إلى إقبالهم على الإسلام وأنهم رأوا فيه اليسر والبساطة مما لم يألفوه في دياناتهم
السابقة )
(نظرات في تاريخ الإسلام ، دوزي ، ص 411 )
ويقول المستشرق بارتولد: إن النصارى كانوا أحسن حالا تحت حكم المسلمين إذ أن المسلمين اتبعوا في معاملاتهم الدينية والاقتصادية لأهل الذمة مبدأ الرعاية والتساهل)
بارتولد :الحضارة الإسلامية. ص 19 .
ويقول العلامة ديورانت صاحب كتاب "قصة الحضارة" (لقد كان أهل الذمة المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرا في البلاد المسيحية في هذه الأيام)
( قصة الحضارة ديورانت بيروت ج 13 ص 130)




‏ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ

1- وقد عافى الله المجتمع البشري من داء العبودية والى غير رجعة وإنما أوردنا ماقاله الطبري رحمه الله في عصره المبتلى بهذه الخسيسة الحضارية من باب ناقل الكفر ليس بكافر
2- المعجم الكبير 17/92
__________________
قبل ان نفقد كلّ شئ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق