الجمعة، 15 مايو 2009

خدمات المراقبة الجوية في العالم العربي .. الواقع والمأمول

إن المسئول الذي دفع المراقبين الجويين في الكويت إلى الاعتصام هو نفس المسئول الذي دفع المراقبين الجويين في بيروت والقاهرة إلى الإضراب ودفع المراقبين الجويين في السعودية ودول عربية أخرى إلى درجة الإحباط، فقد تعددت المواقع والدول وبقيت الثقافة التنظيمية واحده في بيئات العمل المختلفة وهي ثقافة العمل الحكومي وسلبياته.
فالمراقب الجوي العنصر البشري وأحد الأضلاع الهامة التي تُشكل مثلث خدمات الملاحة الجوية (العنصر البشري ـ الأجهزة ـ الإجراءات) والذي يلعب دوراً هاماً في تأمين سلامة الحركة الجوية في الأجواء العربية يعمل في مهنة تصنفها البحوث والدراسات العلمية في المستوى الأول من الضغوط، حيث يتعرض لمستوى ضغوط عالية خلال أداءه لعملة اليومي،كما أشارت البحوث والدراسات العملية إلى أن هذه الضغوط تفرز العديد من الأمراض النفسية والعضوية التي تصيب العنصر البشري الذي يعمل في هذه المهنة خلال سنوات عملة.
كما أثبتت الدراسات العلمية أن المراقب الجوي يتعرض إلى مشاكل نفسية واجتماعية بسبب تعرضه الدائم للأشعة المنبعثة من أجهزة الرادار ، وأن زيادة هذه العوامل وتأثيرها على العنصر البشري لها انعكاسات سلبية على أداءه وبالتالي سلامة الحركة الجوية كما أثبتتها الدراسات العلمية السابقة لذا لا نستغرب أن تكون خدمات المراقبة الجوية انعكاساً لبيئة العمل.
إن استمرار هذه الظروف دفعت المراقبين الجويين في العالم العربي إلى الإضراب والاعتصام والإحباط وبالتالي سينعكس هذا على الأداء وبالتالي تهديد سلامة الحركة الجوية في الأجواء العربية التي تشهد زيادة مستمرة في حجم الحركة الجوية سواءً زيادة شركات الطيران لرحلاتها الجوية أو دخول شركات طيران جديدة، فقد ذكر رئيس الهيئة العامة للطيران المدني في السعودية أن حجم الحركة الجوية لهذا العام زاد بمعدل 15% وكانت زيادة الحركة الجوية العام الماضي 15% أي أن حجم الحركة الجوية زاد خلال سنتين بمقدار 30% دون أن يكون هناك أي تغيير أو تحسين في الأنظمة المتعلقة بموظفي خدمات المراقبة الجوية التي تواجه هذه الزيادة.
كما أن استمرار هذا الوضع سيدفع بكثير من العاملين في هذه المهنة إلى طلب التقاعد المبكر أو البحث عن عمل آخر لتحسين أوضاعهم الصحية والنفسية والمالية لمواجهة متطلبات الحياة كما حدث لعدد كبير من المراقبين الجويين المصريين ، كما تشير الإحصائيات إلى أن 40% من المراقبين الجويين السعوديين فوق سن الأربعين وهو الأمر الذي سيتسبب في المزيد من النقص في العنصر البشري والمزيد من الخسائر لصناعة النقل الجوي بسبب التأخير الذي سيحدث للرحلات الجوية لنقص العاملين في هذه المهنة، فقد ذكرت التقارير المنشورة أن الخسائر السنوية لصناعة النقل الجوي في أمريكا فقط 5,5 مليار دولار كوقود بسبب التأخير اليومي للرحلات في المطارات الأمريكية لقلة أعداد المراقبين الجويين.
وكان للقرار الذي أصدره الرئيس الأمريكي ريغان في الثمانينات بتسريح 12000 من المراقبين الجويين المضربين عن العمل أثراً سلبياً على خدمات المراقبة الجوية في أمريكا وعانت سلطة الطيران الأمريكي ولا تزال تعاني من تبعات هذا القرار الذي أحدث نقصاً كبيراً في أعداد المراقبين الجويين وتحاول إيجاد البديل في وقت قياسي ولكن زيادة معدل الحركة الجوية يزيد المصاعب في إيجاد الآلية المثلى لتعويض هذا النقص في ظل بيروقراطية العمل الحكومي وبطء الإجراءات وعدم المرونة وامتناع الحكومة عن دفع المزيد من المال لبرامج التدريب المخصصة للمراقبين الجويين.
إن مستقبل صناعة الطيران في الوطن العربي مرهون بتحسين الأوضاع المالية والنفسية والاجتماعية والصحية للعاملين في مجال خدمات المراقبة الجوية من خلال إيجاد الكادر الوظيفي الذي يضمن لهم المكافأة المالية المجزية والتأمين الطبي الشامل له ولأفراد أسرته وتحسين بيئة العمل من أجهزة وإجراءات إدارية ولن يتحقق هذا إلا من خلال تحويل خدمات المراقبة الجوية من بيئة العمل الحكومي إلى بيئة العمل في قطاع الأعمال بحيث يتم تحويلها إلى شركات تمتلك الحكومة جزء من رأس المال والباقي أسهم تباع وتشترى في البورصة.
إن التغيرات السريعة التي يشهدها العالم اليوم من تطور معرفي وتقني وتزايد حجم الحركة الجوية يتطلب نظام مرن يمكنه التأقلم مع هذه المتغيرات ولن يتوفر هذا النظام في بيئة العمل الحكومي التي تعمل به معظم سلطات وهيئات الطيران المدني العربية ويلزمها إعادة التفكير في الأمر خصوصاً أن الدراسات العملية أثبتت أن لخدمات المراقبة الجوية علاقة مباشرة بالخسائر السنوية لصناعة الطيران في أمريكا وستزيد هذه الخسائر مع الارتفاع الكبير في أسعار الوقود.
إن التغيير يحتاج إلى قرار شجاع وهذا القرار يحتاج إلى متخذ قرار يمضي بعيداً بإستراتيجية واضحة المعالم والأهداف يتم من خلالها تغيير ثقافة العمل الحكومي بسلبياته إلى ثقافة أخرى تنقل هذه الصناعة الهامة من وضعها الصعب التي تعيشه اليوم إلى مستقبل أفضل وتستثمر القدرات والإمكانات والكفاءات لتحقيق نتائج ذات قيمة هامة لهذه الصناعة تكون ذات نفع على اقتصاديات الدول العربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق