الجمعة، 15 مايو 2009

الحزب والثقافة الحزبية

مقدمة :
يمر قطرنا بشكلٍ عام ، وحزبنا بشكل خاص بمنعطف هام في مسألة الصيرورة الحزبية ، وما يجب أن يكون عليه الحزب في نشاطه ، وحضوره وفاعليته في المستويين الحزبي الداخلي ، والجماهيري من موقع قيادة الدولة والمجتمع ، ومن موقع المسؤولية الوطنية العامة الملقاة في جزء منها على عاتق البنية الحزبية وأدائها .. فما يحيط بنا ، وما جرى لأحزاب لها ماضيها ، وتاريخها والمثال السوفييتي قائم أمامنا يلقي على عاتق جميع البعثيين قيادات وقواعد أسئلة عديدة تحتاج الإجابة ، وتقديم الرؤية، والبدء بالتنفيذ كسياق لمشروع نهوضٍ حزبي على صعيد البنية التنظيمية، والثقافية ، والاجتماعية ، وحضورها المساحي الفاعل على المستوى الوطني، وامتداد ذلك في الفعل القومي ، وموقع الحزب هو في المساحتين الوطنية ، والقومية .
أقول : إن أي تغيير أو تطوير في العالم يبدأ فكرياً .. فالثورات الكبرى التي غيرت مسارات ، وأحدثت منعطفات في التاريخ العالمي بدأت فكرياً والمثال قائم في أنموذج الثورة الفرنسية 1789 ، والثورة البولشفية 1917 في روسيا . كان لمفكري عصر التنوير ، والنهضة الدور الكبير ، جان جاك روسو ، فولتير ، مونتسيكيو ، فيكتور هوغو إلى آخر إبداعات الفكر والأدب ، وفي المثال السوفييتي كانت نظرية الماركسية اللينينية وتطبيقاتها ، والتي أثرت كثيراً في تطورات الفكر العالمي وتحولاته .. كذلك الدعوات ، والرسالات ، والنبوات بدأت فكرياً : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) إنها دعوة الفكر والحوار ، والعقلانية ، وتطبيقاتها السلوكية ، والمجتمعية .
كان البعث العربي الاشتراكي عندما بدأ ، وعبر مساراته ، وحتى اليوم هو مشروع نهضوي عروبي يحمل عناوينه الفكرية ، ورؤيته للواقع العربي ، وتحليله النظري لبناه ، وآليات تطويره .
كانت الثقافة البعثية رئيسة في المسار البعثي ، في البدايات ، والتأسيس ، ونضالات الخمسينات ، وثورة آذار ، والتصحيح المجيد ، واليوم هي ألح حاجة في المرحلة الثالثة في تطوير المسار الحزبي، مرحلة التطوير والتحديث.
* علاقة المسألة التنظيمية بالمسألة الثقافية :
لدينا في المسألة التنظيمية مرتكزان معرفيان رئيسان : 1­ الوعي التنظيمي بدلالاته ، ومعانيه ، وأبعاده 2­ الإحساس بالمسؤولية التنظيمية وترجمتها العملية في الأداء على مستوى الفرد البعثي ، وبالتالي على مستوى الحالة الجمعية الحزبية .
* كيف يبنى الوعي التنظيمي ؟
الجواب : يبنى الوعي التنظيمي عبر فعاليتين ثقافيتين :
1­ الثقافة التنظيمية ومفرداتها ، وموادها ، وتطبيقاتها السلوكية الحزبية ، والتزاماتها الأخلاقية البعثية ، وقيمها ، وهويتها ، واحترام المعاني ، والدلالات والقيم ، والمحددات التنظيمية وهي قائمة في العديد من الأدبيات الحزبية وكتاباتها منها : اولاً: دستور الحزب ، ثانياً : النظام الداخلي، ثالثاً :مقررات المؤتمرات القومية والقطرية كونها برامج وسياسات ، ورؤى صادرة عن مؤتمرات تملك رؤيتها ، وحواراتها ، وتجربة أعضائها ، وتوزعهم الجغرافي الحزبي، وتنوع بيئاتهم ، ومعاناتهم ، ومشاهداتهم ، رابعاً : كل أدبيات الأخرى المنشورة ، والموزعة في الدوريات ، والنشرات ، والتحليلات وغيرها .
أما الإحساس بالمسؤولية التنظيمية فهو بالفرضية والنتائج التطبيق العملي التنفيذي لوعي الثقافة الحزبية التنظيمية ، ومعانيها ، ومحدداتها ، وتمثلها ، وارتقاء الممارسة الحزبية من موقع المسؤولية الحزبية ، والمسؤولية ودلالاتها بحث كبير يحتاج لمحاضرة ، أقول بإيجاز : شرف المسؤولية وممارستها .
2­ الثقافة السياسية العامة : وخلاصتها وعي الرفيق للسياسة الوطنية ، للحزب وللدولة في رؤيتهما الداخلية الوطنية للواقع ، وعلاجاته الاجتماعية ، والاقتصادية والصحية ، والتنموية وغير ذلك فلا يجوز أن لا يعرف الرفيق البعثي توجهات التنمية ، وخططها العامة في وطننا ، وعناوينها ، وتحولاتها في مجالات القطاعات الإنتاجية ،.. قد يقول قائل : هذه مسائل فنية تقنية تتعلق بخطط وبرامج القطاعات المختلفة . الجواب : ليس مطلوب من الرفيق تقديم معرفة أو رؤية فنية ، وتقنية لكن عليه أن يعرف التوجهات العامة ، وما ترميه ، وتهدف إليه ليكون واسطة توضيح لدى الجماهير وبالعناوين العريضة للسياسات التنموية ، وانعكاساتها الاجتماعية ، بدل التخبط ، والإشاعات الاقتصادية حول قرار هنا ، وقرار هناك ، والتشويش الذي يحصل شعبياً في كل مسار اقتصادي أو تنموي .
هذا داخلياً ، أما المسار السياسي ، وتوجهاته فعلى الرفيق البعثي متابعة مسائل ذلك عبر الإعلام ، والنشرات ، والصحف ، وكلمات السيد الرئيس بشار الأسد، بشكل يصبح فيه الرفيق مالكاً لأدواته المعرفية ، ولغته التوصيلية مع الجماهير والتوضيح والشرح ، والمناقشة ، والرد ، والتصويب ، والمساهمة في تكوين الرأي العام السياسي ، وبلورته .. وإلا سيبقى معرضاً للإشاعات ، والمغرضين ، والمروجين داخلاً بقصد أو بغير قصد ، وخارجاً عبر الأدوات الإعلامية الموظفة ضد قطرنا ونهجنا ، وسياستنا .. وكلنا يعلم قيمة إجلاء الحقائق وتقديم لغة ، وخطاب متوازن ومسؤول يصوب ويبني وعي الجيل ، والجماهير ، وبلورة توضيح القضايا السياسية وانعكاساتها ، واللغة هي لغة الحوار والمنطق والمعقول ، وليس كلمات أو شعارات أو غيرها . من هنا تبرز أهمية المستويين : الثقافة التنظيمية ، والثقافة السياسية ودورهما في تكوين وعي الرفاق ، وبلورة أدوارهم ، وممارستها .
* رؤية في مسألة بناء الثقافة التنظيمية والسياسية :
يحتاج العمل الثقافي بشكل عام إلى جهتين مركزيتين المبدع المثقف القادر والفاعل فكرياً وثقافياً وفي أي جنس ثقافي : أدبي ، شعري ، مسرحي ، روائي ، سياسي الخ 2­ المتلقى للثقافة حزبياً ، مواطناً ، شاباً ، امرأة ، معلماً الخ شرائح البنى الاجتماعية .
ثم هناك وسيلة إيصال الثقافة العامة أو الحزبية وطرائقها ومنها :
1­ المحاضرة 2­ الندوة 3­ الملتقيات والحوارات 4­ المباريات 5­ الثقافة الذاتية ( القراءة ) على المستوى الحزبي يلعب الاجتماع الحزبي دوراً مركزياً وهاماً في خلق مناخات ثقافية عامة ، وثقافية تنظيمية ، فالاجتماع ملتقى فكري ، وحواري ، وصداقي ، وتعارفي بين قديم وجديد قادم للفرقة وللحلقة ، وتطوير الاجتماع الحزبي ومحوره الثقافي مسألة مركزية في الثقافة الحزبية .. هنا يبرز دور القيادات القاعدية ونشاطها : أمين الحلقة ، ونائب أمين الحلقة على مستوى حلقة الأنصار ، أمين الفرقة ، وقيادة الفرقة ، وكادر الفرقة على مستوى الفرقة العاملة ، أمين الشعبة ، وقيادة الشعبة ، وقيادات المنظمات الشعبية ، والنقابات المهنية ومكاتبها الثقافية ، وأنشطة وحداتها ، وتنفيذ خططها الثقافية .. ثم والأهم نوعية التنفيذ من حيث : التحضير ، والإضاءة ، والحوار ، والجديد ، وابتكار الأساليب ، وتجاوز السائد الممل في العملية الثقافية ، وهذه أدوار فردية ، وقيادية تقام لها نماذج وتطبيقات ، ومتابعات ، وتحتاج التطوير والمراجعة ، والتنويع في الأساليب ، والأدوات ، والموضوعات وجاذبيتها.
إلى جانب الاجتماع الحزبي ودوره الثقافي والتنظيمي ، هناك الأنشطة الموازية كالندوات ، ورعايتها ، والمباريات وتنوعها ، وتحكيمها ، وحضورها .
ولا بأس من تحفيز رفاقنا في المستويات القاعدية ، ولو بحوافز معنوية أو مادية ألا تتحول لغاية ، وتخرج عن وظيفتها التشجيعية .
­ ثم هناك تدريب الرفاق على حضور أنشطة المراكز الثقافية ، وفعاليتها.
­ من خلال تجربتنا الميدانية ، وعملنا لسنوات في الحلقات ، والفرق ، والشعب واجهتنا صعوبات معروفة ، ويواجهها الجميع هي 1­ مهمة أمين الحلقة فأمين الحلقة هو موجه سياسي ، وفكري ، وهو قائد في مستوى العمل القاعدي الحزبي ، وهو أساسي في التنشئة الحزبية لجيل البعث ، وما يليه من أجيال .
­ إن هذه المهمة النبيلة هي موضع العزوف عنها لدى جميع رفاقنا ، وغالباً ما يكلف بها من يقبلها ، وبمونة متواضعة من قيادة الفرقة ، يأتي الرفاق الأنصار إلى هذه الحلقات ، وقد لا يسمعون جديداً ، فيحصل الملل ، وتغيب الرغبة ، ويبدأ التسيب ، ويحصل الزهد ، ويغيب الحماس بفرضية قدرة ضبط الاجتماع أولاً ، تحديداً في صفوف الشباب ومزاجهم الطالبي فلا من يتابع هذا النصير ، ولا من يسأله .. ، وبالتالي بؤسس ثقافته ويبنيها على مقولات عائلية ، أو أفكار السائد الاجتماعي ، وما يسمعه من فضائيات وشاشات ، لا يوازيها ندياً ثقافة الانتماء ، والهوية ، والمواطنة ، والقومية .. ويحصل ضعف في بنية وعي الرفاق والتزامهم . وتلعب المنظمات الشبابية دوراً في وعي الجيل وتنشئته .
* ما هو الحل ؟
إن أي حل يحتاج أولاً وأخيراً لمسألة ( الإيمان بهذا العمل ) والإيمان ليس مسألة اعتقادية فقط ، إنه ترجمة سلوكية يتكرس فيها دور الرفيق البعثي ، وثقافته ، وتربيته ، وهويته ، وانتمائه .
لسنا في حالة رمادية .. لكن أقول : وللشفافية ، والصدق اللذين وجه بهما القائد الرفيق الدكتور بشار الأسد ، ليس واقعنا الثقافي الحزبي بمستوييه التنظيمي وترجماته التنظيمية ، وتجلياته الثقافية هو بالواقع الوردي إنه بين بين ، ويتباين بين حلقة وأخرى ، وفرقة وأخرى ومكان وآخر .
* في البرنامج التطبيقي العملي :
علينا كقيادات ، وقواعد تفحص بنانا التنظيمية ، وكلها في دائرة الولاء للوطن ، وللحزب ، لكن التفحص المطلوب .. هو بدء حراك حزبي ، على مستوى الحلقات ، والفرق ، والشعب ، والمنظمات ، والنقابات وغيرها يرفع وتيرة الفعل الثقافي ، وبالتالي التنظيمي ، إن ظاهرة الصمت وعدم المشاركة ، والعزوف ، والتخلي عن الدور لرفاقنا ، زهداً ، أو سلامة ، أو راحة لن يؤدي النمو الحزبي المطلوب .
وإيقاظ الوجدانية الحزبية هي حالة صحوة ، ومراجعة ، وتفحص للبنى ، وابتكار للأساليب ، وهي أدوار ، وواجبات ، ومسؤوليات لكل منتم بعثي .
حركة التاريخ هي حركة الناس ، وخيارنا هو تطوير مشروعنا التنظيمي والثقافي وهي مسؤولية البعثيين ، قيادات ، وقواعد ، ولن يأتي من يطور بسحر ، أو من خارج البعث ، إنها أمانة الرسالة الخالدة ، وقيمها .. ومسؤولية الأنموذج والريادة التي نحن نحتاجها ارتقاء بمشروعنا البعثي ، الوطني والقومي فهو خيار مصير ، وتنمية ، وتطور ويقظة ، والعمل مسؤولية الجميع ، ولكل دوره ، فالمشروع الثقافي مشروع جمعي لا يستطيعه فرد ، والرعاية الرسمية ، والمتابعة عنوان إداري ، وباعث عمل ثقافي .
لقد غدا إحياء المشروع الثقافي العربي القومي ضرورة وحاجة ، وتقديم الخطاب المطلوب الذي يحمل لغته ، وقدرة تأثيره ، خارج مباشرة الخطابات والشعارات والدعاية خطاب قادر أن يصل عقول رفاقنا ، وجماهيرنا ووعيها ، يوازيه عمل تنظيمي واجتماعي يلتصق بهموم الرفاق والمواطنين وحاجاتهم ، ويقترب من المساحات الجماهيرية في إحيائها ، وقطاعاتها .. إنه الدور الفكري لحزبنا ، ومنظماتنا ، ونقاباتنا ، ومستوياتها المختلفة وهذا خيار وطني وقومي ومسؤولية بعثية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق